سورة ص - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ص)


        


{قالوا} يعني الأتباع {ربنا من قدم لنا هذا} أي شرعه وسنه لنا {فزده عذاباً ضعفاً في النار} أي ضعف عليه العذاب في النار.
قال ابن عباس حيات وأفاعي {وقالوا} يعني كفار قريش وصناديدهم وأشرافهم وهم في النار {ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم} أي في الدنيا {من الأشرار} يعنون بذلك فقراء المؤمنين مثل عمار وخباب وصهيب وبلال وسليمان وإنما سموهم أشراراً لأنهم كانوا على خلاف دينهم {أتخذناهم سخرياً أم زاغت عنهم الأبصار} يعني أن الكفار إذا دخلوا النار نظروا فلم يروا فيها الذين كانوا يسخرون منهم فقالوا ما لنا لا نرى هؤلاء الذين اتخذناهم سخرياً لم يدخلوا معنا النار أم دخلوها فزاغت عنهم الأبصار أي أبصارنا فلم نرهم حين دخلوا. وقيل معناه أم هم في النار ولكن احتجبوا عن أبصارنا وقيل معناه أم كانوا خيراً منا ونحن لا نعلم فكانت أبصارنا تزيغ عنهم في الدنيا فلا نعدهم شيئاً {إن ذلك} أي الذي ذكر {لحق} ثم بين ذلك فقال تعالى: {تخاصم أهل النار} أي في النار وإنما سماه تخاصما لأن قول القادة للأتباع لأمر حبا بكم وقول الأتباع للقادة بل أنتم لا مرحباً بكم من باب الخصومة.
قوله عز وجل: {قل} أي يا محمد لمشركي مكة {إنما أنا منذر} أي مخوف {وما من إله إلا الله الواحد} يعني الذي لا شريك له في ملكه {القهار} أي الغالب وفيه شعار بالترهيب والتخويف ثم أردفه بما يدل على الرجاء والترغيب فقال تعالى: {رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار} فكونه رباً يشعر بالتربية والإحسان والكرم والجود وكونه غفاراً يشعر بأنه يغفر الذنوب وإن عظمت ويرحم {قل هو نبأ عظيم} يعني القرآن قاله ابن عباس وقيل يعني القيامة.


{أنتم عنه معرضون} أي لا تتفكرون فيه فتعلمون صدقي في نبوتي وأن ما جئت به لم أعلمه إلا بوحي من الله تعالى: {ما كان لي من علم بالملأ الأعلى} يعني الملائكة {إذ يختصمون} يعني في شأن آدم حين قال الله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} فإن قلت كيف يجوز أن يقال إن الملائكة اختصموا بسبب قولهم {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} والمخاصمة مع الله تعالى لا تليق ولا تمكن.
قلت لا شك أنه جرى هناك سؤال وجواب وذلك يشبه المخاصمة والمناظرة وهو علة لجواز المجاز فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ المخاصمة {إن يوحى إليّ} أي إنما علمت هذه المخاصمة بوحي من الله تعالى إليّ {إلا أنما أنا نذير مبين} يعني إلا أنما أنا نبي أنذركم وأبين لكم ما تأتونه وتجتنبونه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتاني ربي في أحسن صورة قال أحسبه قال في المنام فقال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى قلت لا قال فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي أو قال في نحري فعلمت ما في السموات وما في الأرض قال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت نعم في الكفارات والكفارات المكث في المساجد بعد الصلوات والمشي على الأقدام إلى الجمعات وإسباغ الوضوء على المكاره ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه وقال يا محمد إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون قال والدرجات إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام» وفي رواية «فقلت لبيك وسعديك في المرتين» وفيها «فعلمت ما بين المشرق والمغرب» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب.
فصل في الكلام على معنى هذا الحديث:
وللعلماء في هذا الحديث وفي أمثاله من أحاديث الصفات مذهبان أحدهما وهو مذهب السلف إمراره كما جاء من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل والإيمان به من غير تأويل له والسكوت عنه وعن أمثاله مع الاعتقاد بأن الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
المذهب الثاني: هو تأويل الحديث، وقيل الكلام على معنى الحديث نتكلم على إسناده فنقول قال البيهقي: هذا حديث مختلف في إسناده فرواه زهير بن محمد عن يزيد بن يزيد عن جابر عن خالد بن الحلاج عن عبد الرحمن بن عائش عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه جهضم بن عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي عن مالك بن عامر عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه موسى بن خلف العمي عن يحيى عن زيد عن جده ممطور وهو أبو سلام عن ابن السكسكي عن مالك بن يخامر وقيل فيه غير ذلك، ورواه أبو أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس وقال فيه أحسبه قال في المنام، ورواه قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن الحلاج عن ابن عباس قال البخاري عبد الرحمن بن عائش الحضرمي له حديث واحد إلا أنهم يضطربون فيه وهو حديث الرؤية.
قال البيهقي وقد روى من طرق كلها ضعاف وفي ثبوته نظر وأحسن طريق فيه رواية جهضم بن عبد الله ثم رواية موسى بن خلف وفيهما ما يدل على أن ذلك كان في المنام.
فأما تأويله فإن الصورة هي التركيب والمصور هو المركب ولا يجوز أن يكون الباري تبارك وتعالى مصوراً ولا أن يكون له صورة لأن الصور مختلفة والهيئات متضادة ولا يجوز إضافة ذلك إليه سبحانه وتعالى فاستحال أن يكون مصوراً وهو الخالق الباري المصور فقوله أتاني ربي في أحسن صورة يحتمل وجهين أحدهما وأنا في أحسن صورة كأنه زاده جمالاً وكمالاً وحسناً عند رؤيته وفائدة ذلك تعريفه لنا أن الله تعالى زين خلقته وحسن صورته عند رؤيته لربه وإنما التغيير وقع بعد لشدة الوحي وثقله.
الوجه الثاني: أن الصورة بمعنى الصفة ويرجع ذلك إلى الله تعالى والمعنى أنه رآه في أحسن صفاته من الإنعام عليه والإقبال والاتصال إليه وأنه تلقاه بالإكرام والإعظام والإجلال. وقد يقال في صفات الله تعالى إنه جميل ومعناه أنه مجمل في أفعاله وذلك نوع من الإحسان والإكرام فذلك من حسن صفة الله تعالى وقد يكون حسن الصورة أيضاً يرجع إلى صفاته العلية من التناهي في العظمة والكبرياء والعلو والعز والرفعة حتى لا منتهى ولا غاية وراءه، ويكون معنى الحديث على هذا تعريفنا ما تزايد من معارفه صلى الله عليه وسلم عند رؤية ربه عزَّ وجلَّ فأخبر عن عظمته وعزته وكبريائه وبهائه وبعده عن شبه الخلق وتنزيهه عن صفات النقص وأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وقوله صلى الله عليه وسلم «فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي» فتأويله أن المراد باليد النعمة والمنة والرحمة وذلك شائع في لغة العرب فيكون معناه على هذا الإخبار بإكرام الله تعالى إياه وإنعامه عليه بأن شرح صدره ونور قلبه وعرفه ما لا يعرفه أحد حتى وجد برد النعمة والمعرفة في قلبه وذلك لما نور قلبه وشرح صدره فعلم ما في السموات وما في الأرض بإعلام الله تعالى إياه وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون إذ لا يجوز على الله تعالى ولا على صفات ذاته مماسة أو مباشرة أو نقص وهذا هو أليق بتنزيهه وحمل الحديث عليه وإذا حملنا الحديث على المنام وأن ذلك كان في المنام فقد زال الإشكال وحصل الغرض ولا حاجة بنا إلى التأويل.


{قال أنا خير منه} يعني لو كنت مساوياً له في الشرف لكان يقبح أن أسجد له فكيف وأنا خير منه. ثم بين كونه خيراً منه فقال {خلقتني من نار وخلقته من طين} والنار أشرف من الطين وأفضل منه وأخطأ إبليس في القياس لأن مآل النار إلى الرماد الذي لا ينتفع به والطين أصل كل ما هو نام ثابت كالإنسان والشجرة المثمرة ومعلوم أن الإنسان والشجرة المثمرة خير من الرماد وأفضل. وقيل: هب أن النار خير من الطين بخاصية فالطين خير منها وأفضل بخواص وذلك مثل رجل شريف نسيب لكنه عار عن كل فضيلة فإن نسبه يوجب رجحانه بوجه واحد، ورجل ليس بنسيب ولكنه فاضل عالم فيكون أفضل من ذلك النسيب بدرجات كثيرة {قال فاخرج منها} أي من الجنة وقيل من السماء. وقيل من الخلقة التي كان فيها وذلك لأن إبليس تجبر وافتخر بالخلقة فغير الله تعالى خلقته فاسود وقبح بعد حسنه ونورانيته {فإنك رجيم} أي مطرود {وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} فإن قلت إذا كان الرجم بمعنى الطرد وكذلك اللعنة لزم التكرار فما الفرق.
قلت الفرق أن يحمل الرجم على الطرد من الجنة أو السماء وتحمل اللعنة على معنى الطرد من الرحمة فتكون أبلغ وحصل الفرق وزال التكرار.
فإن قلت كلمة إلى لانتهاء الغاية وقوله إلى يوم الدين يقتضي انقطاع اللعنة عنه عند مجيء يوم الدين.
قلت معناه أن اللعنة باقية عليه في الدنيا فإذا كان يوم القيامة زيد له مع اللعنة من أنواع العذاب ما ينسى بذلك اللعنة فكأنها انقطعت عنه {قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم} يعني النفخة الأولى {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال فالحق والحق أقول} أي أنا أقول الحق وقيل الأول قسم يعني فبالحق وهو الله تعالى أقسم بنفسه {لأملأن جهنم منك} أي بنفسك وذريتك {وممن تبعك منهم أجمعين} يعني من بني آدم {قل ما أسألكم عليه} أي على تبليغ الرسالة {من أجر} أي جعل {وما أنا من المتكلفين} أي المتقولين القرآن من تلقاء نفسي وكل من قال شيئاً من تلقاء نفسه فقد تكلف له.
(ق) عن مسروق قال: دخلنا على ابن مسعود فقال يا أيها الناس من علم شيئاً فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} لفظ البخاري {إن هو} يعني القرآن {إلا ذكر} أي موعظة {للعالمين} أي للخلق أجمعين {ولتعلمن} يعني أنتم يا أهل مكة {نبأه} أي خبر صدقه {بعد حين} قال ابن عباس: بعد الموت، وقيل يوم القيامة وقيل من بقي علم بذلك إذا ظهر أمره وعلا ومن مات علمه بعد الموت. وقال الحسن بن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين والله تعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6